رجل أعمال سعودي، عُرف بعصاميته فرغم كونه لم يرث ثروة أو جاها يستند إلى عائلات عريقة فإنه صار يعد من كبار الأثرياء، وجعل اسم عائلته منافسا لأسماء العائلات الثرية ببلاده والمنطقة. عاش الفقر قبل أن يعرف الثروة والغنى، فآثر أن يختم حياته فقيرا كما بدأها فتبرع -وهو في كامل صحته- بثلثيْ ثروته وأوقفها على المشاريع الخيرية، أما الثلث الباقي فتركه لأولاده.
المولد والنشأة
وُلد سليمان عبد العزيز صالح الراجحي قرابة عام 1929 في منطقة البكيرية، إحدى محافظات منطقة القصيم بـالسعودية. وكان ترتيبه الثالث بين أشقائه الأربعة الذين ولدوا في واحدة من الأسر السعودية الفقيرة.
وسعيا وراء الرزق انتقل الوالد عبد العزيز الراجحي إلى الرياض مع ولديه صالح وعبد الله، ثم عاد إلى البكيرية عام 1937 ليأخذ بقية العائلة لتقيم معه. تزوج الراجحي قبل أن يبلغ العشرين من عمره.
الدراسة والتكوين
لم يلتحق سليمان الراجحي بمدارس أو مؤسسات تعليمية نظامية واختار الحياة العملية مدرسة وجامعة، أقبل عليها بوعي وذكاء فطري ناهلا من دروسها حيث لا مجال للتنظير، فالعين اللاقطة والتجارب العملية كانت بالنسبة له خير معلم، وظل هذا ديدنه في مراحل حياته المختلفة.
التجربة التجارية
منذ طفولته كان سليمان الراجحي يميل إلى العمل والتجارة، وكان صاحب عزيمة وهمة قوية في طلب الرزق لا يتأخر في المحاولة أو التعلم والاستفادة من تجارب الغير. فقد لاحظ في عام 1939 -وهو ابن العاشرة وعند مروره بجانب قصر الحكم بالرياض- وجود نساء يفترشن الأرض في زوايا القصر لبيع الزبدة.
لم يتردد الفتى في اتخاذ إحدى هذه الزوايا للقيام بنشاط تجاري أراده متميزا ولا ينافس هؤلاء النسوة، فأحضر صفيحة مليئة بالكيروسين وبدأ بيعه مستخدما قارورة فارغة معيارا للبيع، وكانت الأرباح تصل إلى القرش أو القرشين، ولم يكتفِ بذلك فبدأ تنويع تجارة ببيع الحلوى مع الكيروسين.
تنقل الراجحي بين كثير من المهن، فعمل حمالا وحارسا لبضاعة البائعين في السوق، وفي وقت الفراغ كان يتتبع الإبل ليجمع فضلاتها التي كانت تُباع لتستخدم في الطبخ والتدفئة، كما عمل في البناء وغيره من المهن التي أكسبته خبرة بأحوال السوق ودراية بطرق التعامل ومعاملة مختلف الفئات والعقليات وبطرق التجارة.
بعد سنوات العمل الأولى -التي اختبر فيها كل أنواع المهن، وفي عام 1945 تحديدا- انتقل الراجحي إلى مدينة جدة للعمل ضمن أعمال شقيقه الأكبر صالح، وليكون مسؤولا عن النشاط التجاري الخاص بالصرافة في جدة ومكة المكرمة.
أسس الأخوان لاحقا وكالة صرافة لكي يستخدمها حجاج بيت الله الحرام. وبعد سنوات انضم إليهما الأخوان عبد الله ومحمد الراجحي.
أسس « مصرف الراجحي » ليكون أول بنك إسلامي في السعودية وأحد البنوك الإسلامية الكبرى في العالم، فامتلك العديد من الشركات المساهمة في التنمية الزراعية والصناعية ومختلف القطاعات الغذائية مثل الدواجن والأسماك، ولم ينحصر عمله في السعودية بل تجاوزها إلى دول عربية.
خلال أعماله المختلفة، كان الراجحي يجوب الآفاق بحكم عمله هاجسه وشغفه الدائم هو التجارب الناجحة، واكتساب الخبرات من مختلف البلدان وفي العديد من التخصصات. وخلال كل هذه الرحلات وأعمال الصرافة التي كان يقوم بها تعامل مع مختلف المصارف العالمية.
أثار هذا التعامل قلق الراجحي بسبب الخوف من الوقوع في المحظورات الشرعية، خاصة بعدما اكتشف 1972 دخول بعض الفوائد الربوية القليلة في حساباته، مما أكد مخاوفه ودعاه لمضاعفة البحث والتفكير للوصول إلى مسلك ومفهوم جديد ومنهج مبتكر يؤسس لعمل مصرفي إسلامي.
عُرف عن الراجحي اجتهاده ونشاطه وأنه يتابع كل دقائق الأمور بشغف، فقد صرح ابنه محمد لصحيفة سعودية بأن « اجتماعات الوالد تكون في السادسة صباحا ».
مأسسة العمل الخيري
دأب الراجحي منذ شبابه على حمل الزكوات ليوزعها بنفسه على البيوت المستحقة لها. وتعرف خلال عمله على العديد من كبار رجال الأعمال الذين يعملون الكثير من الخير ولا يحملون هم الشح وجمع المال، بل يرون أن المال الذي لديهم هو هبة من الله ليعينوا بها ذوو الحاجة، فاتخذهم قدوة له.
بدأ بوقف بعض العقارات والأراضي ثم وقف حصصا من الشركات التي يملكها بنسب محددة، فاتخذ قرارا بوقف ثلث ثروته لوجه الله تعالى. وأثناء البدء في عمل وتنظيم الإجراءات القانونية وبعد مشاورات مع العديد من أهل العلم والمشورة ورغبة منه في التقرب إلى الله؛ قرر بعد أن استشار كل عائلته أن يوزع ثروته بين الأوقاف الخيرية وأفراد عائلته خلال حياته.
وقال في هذا الصدد في إحدى ندواته « أنا ضمن الوقف، وملابسي ستكفيني حتى الموت، لا أملك ريالا واحدا بعد أن وهبت مالي لزوجاتي ولأبنائي وللوقف، عمري 84 عاما وما زلت أعمل 15 ساعة يوميا، وذاكرتي قوية بذكر الله وقراءة القرآن ».
تتعدد المؤسسات الخيرية التي تحمل اسم الرجل، وأهمها « مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية »، و »مؤسسة سليمان الراجحي الوقفية »، وغيرها بالإضافة إلى مشاريع خيرية في مجالات عدة.