في المغرب لا يختلف اثنان على أن نسب البطالة و الفقر و التهميش العالية تدفع المغاربة على الدوام للتفكير في وسائل تقفز بهم من مستوى معيشي متدني إلى مستوى أخر يعلوه في سلم الطبقات الاجتماعية ، و لهذا يتهافت المغاربة بمختلف مشاربهم و فئاتهم الاجتماعية على البحث عن بدائل توفر لهم مصدر عيش إضافي يعينهم على عوائل الزمن الغدار ، فتجد بعضهم موظفا في إدارة ما و مع ذلك يمارس نشاطا مدرا للدخل بشكل موازي لعمله اليومي.
كيف تصبح غنيا فى أيام قليلة و كيف تبني ثروة ضخمة في ساعات معدودات و كيف تصبح من أصحاب الملايين و الأشخاص النافذين و رجال الأعمال في زمن قياسي ؟ و كيف تتحول من شخص عادي لأخر تسلط عليه الأضواء ؟
هي عناوين لكتب تباع فى الأسواق بأثمنة متفاوتة، عناوين تجعل الكثير من هواة التسلق الطبقي يعتقدون أنهم أخيرا وجدوا مفتاح الكنز، تكسبهم الشعور بالفرح والسعادة لاعتقادهم أنهم أخيرا وجدوا ضالتهم التى ستنتشلهم من غياهب الفقر والحاجة ، فى وقت أصبحت فيه البطالة وقلة ذات اليد هى حال السواد الأعظم من الناس على مستوى العالم، هوس الخروج من الفقر وتحقيق طفرة اقتصادية فى وقت قصير يدفع الكثيرين لشراء مثل تلك الكتب التى حرص مؤلفوها على أن تكون تحت عناوين لافتة لأعين ترى السيارات الفارهة والقصور المشيدة والمنتجعات السياحية التى تحتل إعلاناتها الصحف والتليفزيون لكنها لا تستطيع فعل شىء سوى أن تواصل المشاهدة عن بعد .
من خلال بحث سريع فى الموقع الأمريكى الشهير « أمازون » اكتشفنا أن هناك أكثر من 40 ألف كتاب تدور حول فكرة واحدة هى كيف تصبح غنيا و ثريا و صاحب أموال طائلة ، وكلها تصب فى اتجاه واحد و هو مساعدتك لكى تصبح من اصحاب الثروات ، وهى كتب كلها حققت نسب مبيعات مرتفعة تصل فى كثير من الأحيان إلى مليون نسخة فى العام الواحد ، والسبب فى قوة توزيع ذلك النوع من الكتب هو أن حلم دخول عالم الملايين لا يزال الطموح الأكبر لمعظم الناس ، والذى تعكسه تلك العبارة التى كتبها أحد الكتاب الأمريكيين تعليقا على كثرة ذلك النوع من الكتب والتى قال فيها : إذا أردت أن تصبح مليونيرا بالفعل ألف كتابا وسمه » كيف تصبح مليونيراً « .
وتتنوع تلك الكتب بين الجادة التى تقدم بعض الأفكار والمشاريع الناجحة وطرق وآليات تحقيقها وبين كتب لا تهدف سوى للربح المادى ، ومن أشهر كتب ذلك النوع الأخير كتاب توم ستانلى « المليون فى الجوار » الذى حقق نسبة مبيعات تعدت المليون نسخة ، ومن وجهة نظر ستانلى فإن الطريقة السهلة لكى تصبح مليونير هى عدم تبذير أموالك ، بينما كانت نصيحة ديفيد باش فى كتابه « خطوة واحدة تجعلك مليونيرا » الذى لاقى رواجاً هائلاً أيضاً هى أن تستثمر مبلغاً ضئيلاً كل شهر فذلك لن يكسرك.
وتكون معظم تلك الكتب عبارة عن نصائح نظرية وعبارات مشجعة من نوعية إذا كنت تعانى قلة المال فهذا ليس لأنك لا تملك ما يكفى من المال وإنما لأنك لا تملك هدفاً عظيماً تدخر من أجله و احرص على عمل ميزانية أسبوعية جيدة واحذر النفقات الزائدة ، أما الكتب الجادة فأغلبها يقوم على نصائح نظرية يقدمها المؤلف كخطوات لتحقيق النجاح وأهم النقاط التى يجب أن يحرص عليها من يريد الوصول للثروة مع دمج ذلك فى قصة خيالية أو واقعية لتعطى القارئ تصوراً واضحاً يمكنه من تطبيق تلك النصائح والإرشادات النظرية على أرض الواقع.
وأحد الأشياء الرئيسية التى تلعب دورا مهما فى سرعة رواج تلك الكتب هو العناوين التى تجذب البسطاء ومن يبحثون عن الثراء السهل ، فأغلب ذلك النوع من الكتب يهدف للربح فى المقام الأول والقليل هو الذى يقدم نصائح وتجارب جادة من الحياة تساعد على خلق أفكار وكيفية تنفيذها ، فمعظم تلك الكتب تستغل ذلك الحلم القديم لمعظم البشر وهو ليس أن يصبح ثريا فقط بل ثريا فى وقت قصير، ومن أمثلة تلك العناوين التى تفتن الناس وتجعلهم يلهثون وراءها « أسرار رجال المال فى إدارة أعمالهم » و « كيف تصبح ثرياً فى وقت فراغك » و « أسبوع واحد كى تصبح مليونيراً » و « دليلك لبناء الثروة » و « كيف يفكر المليونير » ، كما أن هناك البعض ممن لا يزالون يعملون بنظريات ركيكة قديمة من أمثلة « كيف تتزوج بسيدة مليونيرة ».
ويلعب بعض من مؤلفى تلك الكتب على وتر آخر هو عامل السن التى يمكنك الوصول فيها إلى عالم الملايين ، ربما إذا كانت الإجابة سن الأربعين أو أكثر من ذلك فإنه يعتبر أمرا عاديا وليس لافتا ، وهو ما دفع بعض المؤلفين إلى تأليف كتب تحمل عناوين مثل « الأسرار التى تجعلك ثريا وأنت فى سن العشرين » و « المليونير الصغير » و « كيف تصبح مراهقا مليونيرا » وهى كلها تحتوى على قصص لبعض الشباب الذين استطاعوا تحقيق ثروة من مشاريع بسيطة كبيع الفيشار أو ساندوتشات رسعة التحضير فى الشارع.
أما الكتاب الأكثر شهرة فهو كتاب « مليونير فى دقيقة » وهو من تأليف مارك هانسن وروبرت ألين وهما خبراء جنى الثروة من وراء تأليف كتب من نوعية « ساعد نفسك » ليحقق الكتاب فى أقل من عام نسبة مبيعات تعدت المليون نسخة ، ومازال يحتل صدارة الأفضل مبيعاً فى ذلك النوع من الكتب على الرغم من مرور ستة أعوام على صدور أول نسخة منه.
وفى ذلك الكتاب الأكثر نجاحا بين زملائه بعض التوضيحات والنصائح العملية عن كيفية استخدام واستغلال المليونير وقته و كذا تعريفا نظريا « لدقيقة المليونير » على أنها وسيلة الرجل الذكى في تنمية ثروته وجنى المزيد من المال ، ويحتوى الكتاب على أمثلة وتوضيحات عملية عن المهارات اليومية التى يجب أن يكتسبها من يريد الوصول للثروة والتى ستساعده على النجاح فى تعاملاته المالية اليومية ، ويحتوى الكتاب أيضاً على الكثير من أفكار وطرق الإدخار والتوفير وكذلك بعض المشاريع الصغيرة التى لا تحتاج رأس مال كبير، وعلى الموقع الإلكترونى للكتاب وضع المؤلفان برنامجاً حسابيا يمكنك من إدخال المبلغ الذى تستطيع توفيره ومعدل ذلك التوفير ليحسب لك البرنامج الوقت اللازم كى تصل للمليون ، كما يوجد العديد من الاختبارات والتطبيقات على الموقع والتى تجعل زيارته أمرا مسليا.
وينقسم الكتاب إلى نصفين النصف الأول يحتوي على نظريات ونصائح عن المهارات التى تساعد القارئ على تنمية ثقافته الاقتصادية بشكل مبسط ، كما يقدم موضوعات عن عدد من الوسائل التى تساعد على العمل بنجاح كالعمل ضمن فريق واحد أو بشكل فردى وكذلك المهارات والأدوات التى تساعد على تحقيق ذلك وكل ذلك فى شكل مبسط يمكن لأى أحد قراءته وفهمه ، أما النصف الثانى من الكتاب فيحوى قصصا من خيال المؤلفين لأشخاص تعرضوا لضربات اقتصادية قاسية لكنهم سرعان ما استطاعوا تجاوز تلك الضربات والوصول إلى المليون بشكل سريع عن طريق تطبيق بعض المهارات والأفكار التى قدمها الكاتبان فى أول الكتاب.
فى النهاية فإن كل تلك الكتب لا تحول قارئها فجأة إلى مليونير ، لكنها تفتح نوعاً من الأمل والطموح وثقافة اقتصادية مبنية على أسس علمية ونظرية من خلال عرض بعض الأفكار والخطط والمشاريع التى قد يستطيع القارئ تنفيذها وكذلك بعنى القصص والتجارب لأشخاص حققوا نجاحات كبيرة فى مجالات مختلفة لتكون كل تلك الأفكار والخطط والتجارب الشخصية حافزا على عدم ادخار أى جهد فى الوصول إلى الهدف سواء كان مليونا أم أى شىء آخر ، فالكثيرون يعتقدون أن قراءة تلك الكتب فى حد ذاتها ستغير من حالتهم الاقتصادية ثم يشعرون بالإحباط عندما لا يحدث ذلك ، لكن الحقيقة أن الكتب لا تقدم أى ضمانات بأنها ستحولك إلى ثري و صاحب ثروة ، فالضمان الوحيد لذلك هو الرغبة الداخلية لك فى النجاح والعزم على تحقيق الهدف أو ربما يكون تأليف كتاب عنوانه « هكذا أصبحت مليونيرا »…